السؤال: حول أسلوب وأخطاء بعض الدعاة في الجرح والتعديل؟
الجواب: أحياناً يكون الخلل من الداعية، من حيث طريقته في الدعوة، فبعضهم -هداهم الله- يأتي بالشاب فيدعوه إلى الله تعالى من خلال الجدل والقيل والقال وفلان وفلان، والرأي الفلاني ضد الرأي الفلاني...، وهكذا.
وبالتالي فلا تغضب من مسيرة أنت صغتها، فأنت ربيته على هذا المنهج، ولذلك تجد هذا النوع ممن تربى على هذا الشيء أول ما يبدأ بشيخه أو على بعض شيوخه، فهم الذين علَّموه الرد وسيتعلم أين سيرد عليهم: وهذا طبيعي.
وأحياناً يكون الخلل في طالب العلم نفسه، فإن كان من النوع الذي يحب الجدل -وهذا مرض في القلوب والعياذ بالله- ويحب الكلام في الناس، فتجد أن هناك خللاً في التربية وهذه حالات معدودة، ولابد منها، لكن تظل محدودة، أما المنهج السليم والصحيح في الدعوة إلى الله فهو التربية على صغار العلم قبل كباره.
فتجد بعض الشباب لو طلبت منه أن يقف ويبين للناس ما معنى: (قل أعوذ برب الفلق) ما استطاع أن يتكلم فيها بكلمة، ولو قلت له: تقدم لتؤم جماعة في قرية من عشرة مصلين ما استطاع أن يؤمهم، ولو قلت له اقرأ من
رياض الصالحين وبين لهم لما فعل، لكنه مستعد أن يجادل في
أبي حنيفة -مثلاً- وفي فلان وعلان، أتعب نفسه في أودية بعيدة لا تهمه ولا تنفعه، ولا يسأل عنها لو عاش حتى يموت.
لكن بعض
السلف لما قيل له: [ ألا تلعن
يزيد بن معاوية؟ قال: لا أذكر أني في حياتي لعنت أحداً، فلماذا ألعن
يزيد؟].
فالمقصود أن هناك قضايا لا يكون لي رأي فيها، فليس هناك حاجة لأنه أرد على فلان، وفلان عنده أخطاء، ومن الذي يستلم من الأخطاء؟ ((
قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *
إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ))[الشعراء:112-113] وأنا علي نفسي ومحاسب عنها، فعلي أخطائي، فهذه هي النظرة التي يعرفها من يشتغل بعيوبه عن عيوب الناس، ومن يعلم أن العمر محدود، وأنه يجب أن تكسب أكبر قدر في هذا العمر من الخير، والإيمان والتقرب إلى الله، ومحبة إخوانك المؤمنين، ودعوتهم، وجمعهم على الحق، وإلا ضيع الإنسان عمره في قضايا لا قيمة لها.
والدليل على ذلك أنك لو أخذت واحداً من هؤلاء، وأخرجه عن الموضوع الذي يتكلم فيه إلى موضوع آخر، فإنه يجيبك، بخلاف الداعية الناجح، والشاب الناضج، فإنك تجده يمكن أن يتكلم في هذا الموضوع، وفي هذا وهذا، ويأخذ الأمور بأناة، ولا يأخذها بتعصب وتشنج، ولا بتبعية وعبودية للأشخاص.
وهذا من أسوأ ما يمكن، فنحن نعبد الله تبارك وتعالى وقدوتنا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما عدا ذلك فكل إنسان يخطئ ويصيب، ومن كان ممن تُعد معائبه فكفاه فضلاً وشرفاً ونبلاً، وأما إن كان من أهل البدع المحضة فنرتب أهل البدع ونرتب أهل الشر، كما أن الواحد منا لو كان في بدنه داء لرتبه، وبدأ بالمرض الأخطر ثم الذي بعده ثم الذي بعده، فلو كان عندك أي أمر من الأمور تريد أن تعمل بها، كأن يكون عندك ألف ريال فلا تنفقه على شيء كمالي كزينة في الحوش وليس عندك إنارة داخل البيت، ولا ماء، هكذا العاقل يضع نفسه دائماً في موضع يليق به، ويضع كل شيء في موقعه وموضعه الصحيح.
مع ذلك كله لا ننسى أننا في كل ركعة نقول: اهدنا الصراط المستقيم نحتاج أن يهدينا الله في كل أمر، ونحتاج أن يوفقنا في كل لحظة وفي كل عمل.
فإصرار الإنسان على مواقف وآراء معينة، وإن كان يقول: اهدنا الصراط المستقيم. هذا دليل على أنه لا يريد ذلك وإن قالها بلسانه، أما الذي يريد الهداية فبإمكانه أن يراجع نفسه، ويسأل إخوانه ويستغفر الله ويتوب إليه، ويتأمل وينظر فقد يكون أخطأ وقد يكون أصاب، ويلقى الله وهو خائف وجل أن يكون ما عمل غير موافق ومقبول نسأل الله العفو والعافية.
أما من تراه مصراً، معانداً، متشدداً على ما يقول، فالحقيقة أن هذا مما يدل على أنه قريب من الهلاك، أو في طريقه إلى الهلاك، نسأل الله أن يردنا إليه جميعاً رداً جميلاً، إنه على كل شيء قدير.